(تلاها وزير الفلاحة والصيد البحري السيد عزيز أخنوش)
"الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في المناظرة الرابعة للفلاحة، تأكيدا لما نوليه لتحديث القطاع الفلاحي، وللرفع من إنتاجيته وتنافسيته، من بالغ الاهتمام، لكونه قطبا استراتيجيا لما نتوخاه لبلادنا، من تنمية اقتصادية وبشرية قوية ومستدامة.
ومن تم، لم نفتأ نولي التنمية الفلاحية موصول عنايتنا، باعتبارها رهانا مجتمعيا متعدد الأبعاد، مرتبطا بالمعيش اليومي لكل الفئات والجهات فهي قوام ما ننشده لمواطنينا من عدالة اجتماعية، وكرامة مصونة، تتبوأ فيها تنمية العالم القروي، والنهوض بأوضاع الفلاحين، ولا سيما الصغار منهم، وتوفير فرص الشغل المنتج للشباب، مكانة الصدارة في النموذج التنموي المغربي، الذي نحرص على تكامل نجاعته الاقتصادية مع تضامنه الاجتماعي.
ونود الإشادة بانتظام هذه اللقاءات، التي تعد مناسبة متجددة لتعميق التشاور والنقاش، للوقوف على ما حققته الفلاحة المغربية من منجزات، وما يعترضها من معيقات، وللتداول بشأن ما ينبغي اتخاذه من إجراءات، لتطوير هذا القطاع الحيوي، في إطار حكامة فلاحية جيدة.
لذا ما فتئنا نعتمد مقاربة تشاركية وإدماجية لكل الفاعلين المعنيين بهذا القطاع، في مختلف الأوراش والإصلاحات العميقة التي أقدمنا عليها، وفي طليعتها مخطط المغرب الأخضر، منوهين بكافة العاملين على حسن تفعيله، داعين إياهم للمزيد من تضافر الجهود، لتحقيق أهدافه التنموية الطموحة.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كان مخطط المغرب الأخضر، باعتباره استراتيجية واضحة المعالم، قد حدد آليات العمل، في مختلف المجالات المرتبطة بالتنمية الفلاحية، فإننا حريصون على مواصلة تعميق بعده الاجتماعي، المتمثل في النهوض بالفلاحة التضامنية.
وفي هذا الصدد، وتأكيدا لحرصنا القوي على إعطاء دفعة قوية، لمواصلة تحقيق أهداف مخطط المغرب الأخضر وتجسيدا لإرادتنا الراسخة في تحسين الأوضاع الاجتماعية للفلاحين الصغار، ومحاربة الفقر والتهميش بالوسط القروي، ندعو الحكومة لاتخاذ الإجراءات التالية:
أولا: تخفيف عبء ديون الفلاحين الصغار، المترتبة عليهم لدى القرض الفلاحي للمغرب، وإعادة جدولتها، وذلك وفق معايير موضوعية ومنصفة، تراعي على الخصوص الأضرار التي لحقت بهم، بسبب الإنعكاسات السلبية للتغيرات المناخية.
ثانيا: ترك المجال مفتوحا أمام هؤلاء الفلاحين الصغار لإمكانية الاستفادة من سلفات جديدة.
ثالثا: إعفاء صغار الفلاحين من تكاليف مياه السقي برسم المواسم الفلاحية لما قبل سنة 2008 ، في حدود عشرة آلاف درهم ، مع إعفائهم من الفوائد الناجمة عنها، وإعادة جدولة القسط المتبقي الذي يفوق هذا المبلغ، وذلك لمدة قد تصل إلى سبع سنوات .
ومن شأن مجمل هذه التدابيرأن تشمل حوالي 200.000 من صغار الفلاحين المعوزين، وأن تنعكس إيجابيا على جميع أفراد أسرهم.
رابعا: تحسين وضعية العمال الفلاحيين، بالعمل على الرفع من الحد الأدنى لأجورهم.
خامسا: جعل العالم القروي والفلاح الصغير في طليعة المستفيدين من تعميم نظام التغطية الصحية، والمساعدة الطبية، وفق مخطط عقلاني ومضبوط ومتدرج.
سادسا: مضاعفة جهود تعميم التمدرس بالعالم القروي، وخاصة بالنسبة للفتيات، اللواتي ينتمين للفئات والمناطق المعوزة والنائية، وذلك بتوفيرالشروط والبنيات الأساسية الكفيلة بتمكينهن من مواصلة دراستهن.
سابعا: مواصلة مشاريع فك العزلة عن المناطق النائية أوالصعبة، وتوفير البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية بالعالم القروي، ولا سيما من خلال تعزيز برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ثامنا: تقوية التمويل العمومي والمرصود لدعم الفلاحة التضامنية، لأثرها الملموس في تحديث القطاع الفلاحي، والرفع من تنافسيته، وتوفير فرص الشغل، ومحاربة التهميش والهشاشة.
تاسعا: التدبيرالناجع للإعانات المخصصة للفلاحين الصغار، الذين يعانون من مختلف التقلبات المتسارعة، ليس فقط المناخية منها، وإنما أيضا الاقتصادية، وتلك المرتبطة بالأسواق العالمية للمواد الغذائية.
ومهما تكن التكاليف المالية، التي تتطلبها هذه التدابير، فإن غايتنا المثلى هي جعل الفلاحين الصغار في صلب التنمية البشرية والقروية، وعمادا للتنمية الفلاحية ببلادنا، تجسيدا لما نوليه لهم من تقدير، لما يتحلون به من قيم الكد والجد والاجتهاد ، ومن تشبث راسخ بخدمة أرضهم والارتباط بها ، في جميع الظروف والأحوال.
حضرات السيدات والسادة،
إننا لحريصون على النهوض بالتنمية الفلاحية، وإعطاء دفعة قوية لمخطط المغرب الأخضر، من خلال توجيه الحكومة لتركيز جهودها على محاور العمل التالية..
المحور الأول: مواكبة البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي، الهادف إلى الرفع من مساحات الأراضي الفلاحية، التي تعتمد تقنيات السقي الموضعي، إلى 550 ألف هكتار، وذلك باعتماد استراتيجيات بديلة، كتحلية مياه البحر، ومواصلة سياسة بناء السدود ، لتحقيق الحماية المستدامة لفلاحتنا.
المحور الثاني: العمل على حسن استثمار ما تزخر به بلادنا من تعدد وتنوع أصناف المنتجات المحلية المشهود بتميزها. هذا الرصيد الغني الذي يتطلب من الجميع العمل على حمايته، بل وفتح آفاق تجارية وطنية ودولية أمامه، كفيلة بالرفع من قيمته.
المحور الثالث: تشجيع نموذج التجميع الفلاحي، بإطار تشريعي وآليات تحفيزية ملائمة، وتقديم دعم أكبر للفلاحة الصغيرة، إدراكا منا للدور الهام الذي يقوم به، لكونها الضامن الرئيسي لمنتجاتنا المحلية بل وعماد التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بعض المناطق المهمشة، التي لا تتوفر على موارد بديلة.
المحور الرابع: تأطير وتشجيع الفلاحة البيولوجية، التي تتوفر فيها بلادنا على مؤهلات تنافسية هامة، وذلك بالاسراع باعتماد نظام قانوني وتقني ملائم، يساهم في تنمية وتنويع الصادرات الوطنية، وتحسين المنتجات البيولوجية الوطنية، والحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي.
المحور الخامس: تأهيل الموارد البشرية، وضمان تكوينها المستمر، وإقامة آليات عصرية للتواصل والتشاور بين الفاعلين المعنيين، باعتبار ذلك حجر الزاوية للنهوض بالقطاع الفلاحي ببلادنا.
ومن هذا المنطلق، ندعو السلطات الحكومية والعمومية المعنية، وكافة المتدخلين الى اعتماد رؤية متجددة للتكوين والبحث في المجال الفلاحي، ودعم الدور المنوط بالغرف الفلاحية، من خلال التفعيل الأمثل لاصلاح نظامها الاساسي، وتمكين الفلاحين من الاستفادة من خدمات الإرشاد الفلاحي، وجعله حلقة وصل حاسمة في نشر مخطط المغرب الأخضر.
المحور السادس: تعميق البعد الجهوي لمخطط المغرب الأخضر بما يستجيب لحاجيات الفلاحين في مختلف فروع عملهم ولخصوصيات كل جهة، وذلك في أفق تفعيل ما ننشده من تكريس دستوري وتنموي للجهوية المتقدمة.
حضرات السيدات والسادة،
إن المستقبل الفلاحي والأمن الغذائي لبلادنا يرتكزان بالاساس على سواعد فلاحينا واجتهادهم وعلى قدرتنا على استكشاف مختلف الميادين الممكنة للتنمية والمساهمة فرديا وجماعيا في هذا الورش الوطني الكبير.
فالمكاسب الهامة التي حققتها بلادنا في القطاع الفلاحي، بقدر ما تعد مبعث ارتياح لنا، فإننا نعتبرها محفزا على مضاعفة الجهود وبذور مستقبل واعد نأمل ونعمل على أن يكون مزدهرا.
أعانكم الله وسدد خطاكم وجعل التوفيق حليف أعمالكم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".