"الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حجاجنا الميامين، الحمد لله القائل : "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير، ثم ليقضوا
تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ".
والقائل : " إن أول بيت وضع للناس للذي بمكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ".
فهنيئا لكم - معاشر الحجاج - بما أكرمكم به سبحانه، لتكونوا من أولئك الذين استجابوا لدعوة ربهم. إنها نعمة يجب شكرها بأدائها على الوجه المشروع، الذي هو اتباع سنة جدنا صلى الله عليه وسلم القائل : " خذوا عني مناسككم ".
وتيسيرا عليكم وقياما بواجبنا، بصفتنا أميرا للمؤمنين، وحاميا لحمى الوطن والدين، فقد أصدرنا تعليماتنا إلى وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، كي يوفر لكم التأطير الكافي بهذا الصدد، سواء على أرض الوطن أو في تلك الديار المباركة
أثناء الموسم.
فكونوا، رعاكم الله، ممن يغنمون جزاء هذه الفريضة وفضائلها وثوابها، حيث إن الحج المبرور لا جزاء له إلا الجنة، كما قال جدنا صلى الله عليه وسلم. إن الحج فرصة للتحلي بالمكارم والإقلاع عن السيئات، والمعاشرة بالإحسان "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والتخلي عن كل ما من شأنه أن يفسد - لا قدر الله - مناسككم، لقوله تعالى : " الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولي الألباب ".
فأقبلوا على ربكم سبحانه بكلياتكم، واسألوه العون على ذكره وشكره وحسن عبادته خلال هذه الأيام المباركة، فإنه تعالى ما خاب من أمله، واحمدوه جل ذكره على تيسيره أسباب هذه الفريضة المباركة ورفع موانعها، وهي نعمة جلى سوف تمكنكم من الانقطاع للعبادة والتزكي في أطهر البقاع، مهبط الوحي، وفي أسمى المواسم، موسم الحج، ومع الذين اصطفاهم ربهم وأكرمهم للقيام بهذه الفريضة.
فتجردوا للطاعات واملأوا بالذكر جل الأوقات. وذلكم ما أنتم ذاهبون مفارقين من أجله للأهل والأوطان. واعلموا، رعاكم الله، أن الحسنات والسيئات تزيد وتعظم بحسب الزمان وبحسب المكان.
حجاجنا الميامين،
سوف تذهبون بتوفيق الله إلى مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، وإلى مقام حفيده سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسوف تندمجون مع باقي الوافدين من مختلف الأقطار، لكي تشكلوا مواكب تسبيح وتلبية وسجود وركوع لله، جل جلاله، متعارفين. فكونوا نعم السفراء لبلدكم ولحضارتكم ولدينكم، واعلموا أنها أيام معدودات، سرعان ما تنقضي، وللصابرين المغتنمين فيها أجر عظيم.
فكونوا، رعاكم الله، متعاونين فيما بينكم ومع البعثات العلمية والإدارية والطبية الساهرة على راحتكم، وحسن سير مناسككم، حتى يكون أداؤكم لهذه الفريضة السامية على أحسن وجه، وتكون سفارتكم عن بلدكم على أفضل مثال، كما نهيب بكم باحترام كافة الإجراءات والتدابير التي تتخذها المملكة العربية السعودية الشقيقة لتيسير هذه الفريضة بكل مراحلها على الوافدين من كل فج عميق، بتوجيهات من أخينا الأعز الأكرم خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، حفظهما الله وأطال في عمرهما. ولا يفوتنكم إدراك أن هذا الانضباط والتعاون داخل في لب هذه العبادة السامية.
حجاجنا الميامين،
إن زمان هذا الموسم المبارك ومكانه مقام تهب فيه نفحات الله، ألا فتعرضوا لها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها ، "فذانكم زمان الاستجابة للدعاء ومقامها، فادعوا الله مخلصين له الدين، وتذكروا، رعاكم الله، ما لوطنكم وعاهلكم عليكم من واجب الدعاء في سائر هاتيكم البقاع الطاهرة، سائلين الله لبلدكم دوام نعمة السلم والأمن والإيمان، ولسائر بلاد المسلمين، ولنا دوام نعمة التسديد والتأييد والصحة والعافية، للنهوض بمسؤولياتنا الدينية والدنيوية، وأن ينبت ولي عهدنا النبات الحسن، وأن يرينا في شعبنا ما تقر به أعيننا، وأن يديم، سبحانه بيننا وبينه نعمة الحب والإخلاص، وأن يمطر شآبيب رحمته على والدنا جلالة الملك الحسن الثاني، وعلى جدنا جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراهما وجزاهما عنا وعن المغرب خير الجزاء.
نسأل الله العلي القدير لكم الحفظ في الذهاب والإياب، والغنيمة من حجكم بالمغفرة والثواب، كما نسأله سبحانه دوام العفو والعافية، واستمرار ألطافه الخفية الواقية، وأن يعيدكم إلى وطنكم وأهليكم مشمولين بالمغفرة ووافر الثواب، إنه سبحانه ولي ذلك وقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".