" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
شـعـبـي العـزيـز،
نـخلد اليوم ذكرى المسيرة الخضراء المـظـفـرة، معـتزين بما حققـناه لأقاليمنا الجنوبية المسـترجعة، مـن تحرر واستقـرار، وتنمية واندماج في الوطن- الأم. وإذا أردنا اختصار حصيلة تسـع وعشـرين سـنة لـهـذه المـلـحـمـة، فإنـه يحـق لنـا الـقـول : إن المـغـرب فـي صحـرائـه والصـحـراء فـي مـغـربـهـا.
وإننـا لنـسـتـحـضـر فـي هـذه الـذكـرى بكـل خشـوع وإجـلال روح مبـدعـهـا والـدنـا المـنـعـم، جـلالـة المـلـك الحـسـن الثـانـي أكـرم الله مـثـواه الـذي كـان يعـتـبـرهـا كـنـزاً لاسـتـخـلاص الـدروس والـعـبـر، ومـنـطـلـقـا لمـغـرب جـديـد.
وقـد كـان فـي مقـدمـة ذلـك تـأكـيـد التـلاحـم بـيـن العـرش والشـعـب الـذي لا تـزيـده التـحـديـات إلا رسـوخـا واعـتـمـاد الـتـعـبئـة الـشـامـلـة والـنـهـج الحـضـاري القـائـم عـلـى السـلـم والحـوار، والتـمـسـك بحـسـن الـجـوار وبـالـشـرعـيـة الـدولـيـة سـواء لإنـهـاء احـتـلال أقـالـيـمـنـا الجـنـوبـيـة وعـودتـهـا لـوطـنـهـا الـمـغـرب، أو لـحـل الـنـزاع المـفـتـعـل حـول مغـربـيـتـها.
وقـد واصـلـنـا قـيـادة شـعـبـنـا الأبـي عـلـى هـذا الـنـهـج الـقـويـم ضـمـن إجـمـاع وطـنـي مـتـجـدد حـول وحـدتـنـا التـرابـيـة وحـرص قـوي عـلـى بـنـاء الاتـحـاد الـمـغـاربـي علـى أسـاس متـيـن، وانـفـتـاح تـام علـى جـوارنـا الأرو- مـتـوسـطـي والإفـريـقـي وتفـاعـل إيـجـابـي مـع مسـتـجـدات عـالـمنـا. وذلـك فـي الـتـزام ثـابـت بالشـرعـيـة الدولـيـة، وتجـاوب دائـم مـع مبـادراتهـا الصـائبـة.
واسـتـمـرارا عـلـى هـذا الـنـهـج الـراسـخ، فـإن المـغـرب سـيـظـل مـسـتـعـدا للـتـعـاون الـصـادق والكـامـل مـع الأمـم المـتـحـدة وأميـنـهـا العـام، مـعـالـي السـيـد كـوفـي عـنـان ومـمـثـلـه الـخاص سعـادة السـيـد ألفـارو دي سـوطـو وبـالـمـسـاهـمـة الـفـاعـلـة لـشـركـاء المـنـطـقـة، والـمـجـتـمـع الـدولـي،مـن أجـل إيـجـاد حل سـياسي تفاوضي ونهائي،مقـبول من كل الأطراف المـعـنـيـة، للـنـزاع المـفـتـعـل حـول وحـدتـه الـتـرابـيـة. وفـي هـذا الـصـدد، نـؤكـد التـزام المـغـرب بـالحـوار والتـفـاوض،مـن أجـل التـوصـل لهـذا الـحل الـذي خـولـنـاه فـي خـطـاب الـعـرش الأخـيـر، مـكـانـة الصـدارة فـي مشـروعـنـا الـمـجـتـمـعـي. فـقـضـيـة وحـدتـنـا التـرابيـة قضـيـة هـويـة وطـنـيـة غـيـر قـابـلـة للتـجـزئـة، وحـق تـاريـخـي، لا يمـكـن التـفـريـط فـيـه.
وعـلـى هـذا الأسـاس فـإن هـذه القـضـيـة المـصـيـريـة، تـنـدرج فـي صـلـب بنـاء مـغـرب وحـدوي ديـمـقراطـي وتنـمـوي، يـكـفـل لـكـافـة أبـنـائـه حـقـوق الـمـواطـنـة الكـريـمـة. مـغـرب مـبـنـي علـى جـهـويـة فـعـالـة ومـتـنـاسـقـة تمـكـن كـل جـهـاتـه مـن الـتـدبيـر الـذاتـي أو اللامـركـزي الـواسـع، لـتنمـيتـهـا الاقـتصـاديـة والاجـتمـاعـيـة والـثـقـافيـة، وفـق خصـوصيـاتـهـا، وفـي ظـل الـسـيـادة والوحـدة الوطـنـيـة والتـرابـيـة.
كـمـا أن المـغـرب، الـواثـق بعـدالـة قضـيـتـه، لـن يـدخـر جـهـدا، مـن أجـل الـطـي النـهـائـي لمـلـف الـنـزاع حـولـهـا ضـمـن تـوجـه اسـتـراتـيـجي واضـح، يتـوخـى ضـمـان حـقـوق بـلادنا، وتـجـسـيـد المـفـهـوم الجـديـد للأمـن الشـامـل والجـوار، بمـنطقـة شـمـال غرب إفـريـقـيـا والساحل، وجـنـوب غـرب المـتـوسـط. إن الأمـر يتـعـلـق بـتـوجـه مسـتـقـبـلي يـرمـي إلـى رفـع التـحـديـات الحـقـيـقـيـة لـهـذه المـنـطـقـة، المـتـمـثـلـة فـي ضـرورة تحـصـيـنـهـا مـن مـخـاطـر التـحـول إلـى بـؤرة للـتـوتـر والإرهـاب، والعـصـابـات المـتـاجـرة بالـفـقـر، وبالـتـرحـيـل الـقـسـري، واحـتـجـاز الأشـخـاص، فـي خـرق لحـقـوق الإنـسـان وكـرامـتـه.
كـمـا أن هـذا التـوجـه يـهـدف إلـى جـعـل هـذه المـنـطـقـة الـواسـعـة بـأسـرهـا، فـضـاء لحـريـة انـتـقـال الأشـخـاص والاسـتـثـمـار، والتـبـادل الحـر، والـتـنـمـيـة المـشـتـركة، والـتفاعل الـثـقـافـي.
ولـن يـتـأتـى ذلـك إلا بـتـوافـر الـثـقـة الـمـشـتـركـة والاحـتـرام المـتـبـادل، والإرادة الـقـويـة المـدعـومـة بالـرؤيـة المـسـتـقـبلـيـة، البـعـيـدة عـن الحـسـابـات الضـيـقـة، والمـرتفـعـة إلـى مسـتـوى متطـلـبـات اللحـظـة التـاريخـيـة.
بـيـد أن مـسـاهـمـتـنـا الصـادقـة فـي الأخـذ بهـذا التـوجـه، الـوطنـي والجـهـوي والـدولـي، تقـتـضـي منا، عـلاوة على اليـقـظـة الدائـمـة، والتـعـبـئـة الشـعـبـيـة، المـزيـد مـن التـحـرك الفـعـال علـى كـل الجـبـهات، وذلـك ضمـن عـمل هـادف ومـقـدام، فـي سـائـر المـحـافـل والأوسـاط الجـهـويـة والـعـالـمـيـة المـؤثـرة، مـن أجـل بلـورة مسـانـدتـهـا للـحـل السـيـاسـي، المـنـشـود مـن قـبـل المـغـرب والمـجـتـمـع الدولـي، في صيـغـة واقـعـيـة ومـنـصـفـة.
وفـي هـذا الصـدد، فـإنـنـا نـدعـو الأحـزاب السيـاسيـة والمـجـالـس الـمـنـتـخـبـة وكـل القـوى الـوطـنـيـة الحـيـة إلـى الانـخـراط الفـعـال، فـي التـعـريـف بـعـدالـة قـضـيـة وحـدتـنـا الـتـرابـيـة والـدفـاع عنـهـا، فـي نـطـاق خـطـة مـحـكـمـة ومـتـكـامـلـة، مـع الـجـهـود الـتـي تـنـهـض بـهـا الـديـبـلـومـاسـيـة الـرسـمـيـة.
وكـيـفـمـا كـانـت الـعـراقـيـل الـعـابـرة، فـإنـي أؤكـد بـاسـم الـمـغـرب، أنـنـا سـنـصل إلـى حـل سـيـاسـي تـوافـقـي، لـهـذا الـنـزاع المـفـتـعـل باعـتـبـاره أحـد عـوائـق المـشـروع الـتـنـمـوي الكـبـيـر. فـهـذا الحـل وحـده يـنـسـجـم مع مـنـطـق الـتـاريـخ. كـما أنـه يـسـتـجـيـب لانـتـظـارات أجـيـالـنـا الصـاعـدة المـتـطـلـعـة قـبـل كـل شـيء، إلـى الاسـتـجـابـة لحـاجـيـاتـهـا المـلـمـوسـة، فـي التـنـمـيـة والمـشـاركـة فـي تـدبـيـر الـشـأن الـعـام والـتـقـدم.
ومـهـمـا كـانـت التـطـورات والصـعـوبـات الظـرفـيـة، فـإنـنـا سـنـواصـل بـنـاء الـمـغـرب الجـديـد، المنـبـثـق عـن المـسـيـرة الخـضـراء الوحـدويـة، بتـحـريـر الطـاقـات، وتـكـريـس الجـهـود لـكـسـب المـسـيـرات التـنـمـويـة، التـي نقـودهـا بكل عـزم وإيمان، فـي مخـتـلـف جهـات المـمـلـكـة، جنـوبـا وشمـالا، شـرقـا وغـربـا.
وإنـنـا لنـشيـد بالانـخـراط الواسـع لرعـايـانـا الأوفـيـاء، بالأقـالـيـم الجنـوبـيـة فـي المـعـركـة الحـقـيـقـيـة، مـعـركـة التـنـمـيـة المـنـدمـجـة مـع كـل أقـالـيـم المـمـلـكـة، ومـا تـحـقـق لـهـا مـن مـكـاسـب. كـمـا نـعـرب عـن تـقديـرنـا لتـضحـيـات الشعـب المـغـربـي قـاطبـة، مـن أجـل التـجسـيد الفـعـلـي لـروح الوحـدة الوطنـيـة فـي منـجـزات ومـشـاريـع تنـمـويـة كـبـرى؛ مـؤكـديـن عزمـنـا الـراسـخ عـلـى أن تـعـم كـل جـهـات المـمـلكـة، فـي نـطـاق سيـاسـة القـرب والمشـاركـة والتـضـامـن الاجـتمـاعـي والمـجـالـي، والتـحـديـث الاقـتـصـادي، الـذي نـقـوده .
وإن تشبـثـنـا بهـذا النـهـج التـنـمـوي، الكفـيـل بـرفـع كـل التـحـديـات، ليـتـطلـب منـا مـواصـلـة تـجـسـيـد روح الـمسـيـرة الـخـضراء، مستحضرين فـي هـذه الأجـواء الديـنـيـة الرمـضـانـيـة، قيـم الإخـاء والتضامن وحسن الجـوار، والـتـحـلـي بـالـرزانـة والـحـكـمـة، والـحـوار الـبـنـاء، الـذي هـو فـضـيـلـة إسـلامـيـة حـتـى مـع الأعـداء، فـمـا بـالـك مـع الإخـوة الأشـقـاء؛ عـمـلا بـقـولـه تـعـالـى : "ولا تـسـتـوي الـحـسـنـة ولا الـسـيـئـة، ادفـع بـالـتـي هي أحسـن، فـإذا الـذي بـيـنـك وبـيـنـه عـداوة كـأنـه ولـي حـمـيـم، ومـا يلـقـاهـا إلا الذيـن صـبـروا، ومـا يلـقـاهـا إلا ذو حـظ عظـيـم". صـدق الله العـظـيـم.
والسـلام عـليـكـم ورحـمـة الله تـعـالى وبـركـاتـه".