"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
حضرات السيدات والسادة أعضاء مجلسنا الوطني للشباب والمستقبل
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد فيسعدنا أن نتوجه اليكم بالخطاب في مستهل الدورة الثامنة للمجلس الوطني للشباب والمستقبل التى خصصت هذه السنة للتفكير في موضوع ..'' العولمة والتنمية القروية وتشغيل الشباب'' ولايخفى عليكم ما تكتسبه هذه المسألة من أهمية بالغة بالنسبة الينا نظرا لانها تخص الحاضر والمستقبل لحيز واسع من مجالنا الوطني ولشريحة من مجتمعنا تتمتع ببالغ عطفنا ورعايتنا.
وانها لمناسبة نستحضر فيها بروح خاشعة وايمان قوي ذكرى أب الأمة المغربية المشمول بعفو الله ومحبته ورضاه صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني الذي يرجع اليه الفضل في تأسيس دعائم الديمقراطية ببلادنا وسن الشورى الموءسساتية كنهج لتوسيع نطاق ممارستها.
حضرات السيدات والسادة
حينما أنشأ والدنا المغفور له هذا المجلس وجعله بجانب جلالته أراد له أن يكون بمثابة ورش كبير متعدد الابعاد دائب الحركة والنشاط ينجز الابحاث والدراسات ويقوم بالتحريات الميدانية التى على أساس نتائجها يقدم لجلالته الاقتراحات والاراء ويساعده على تحديد وتنفيذ السياسة السامية التى ابتغاها خدمة لمستقبل الأمة المغربية ولمستقبل الشباب. كما أراده جلالته مجالا للحوار والتشاور بين أعضائه وهم نخبة من خيرة أبناء وطننا اختيروا بكيفية تضمن تمثيلية كافة مكونات أمتنا. وبهذا شكل مجلسنا الوطني للشباب والمستقبل لبنة أساسية وضرورية لاستكمال بناء نسيجنا الموءسساتي وتطوير الممارسة الديمقراطية في بلادنا.
حضرات السيدات والسادة
لقد تتبعنا بعناية وانتظام مسار أعمالكم وتفاءلنا لايجابية النهج الذي اتبعتموه والطريق الذي سلكتموه. فإذا كان مشكل ادماج الشباب حاملي الشهادات هو الداعي المباشر الى انشاء هذا المجلس فإنكم سرعان ما اتجهتم اعتمادا على الابحاث والدراسات التى أنجزتموها والتفكير في كل ما له علاقة بحاضر ومستقبل شبابنا نحو تعميق الروءية الشمولية لوضع معضلة تشغيل الشباب في اطارها الصحيح الا وهو المشروع المجتمعي الذي نطمح الى ارساء أسسه.
ان المجتمع المغربي الذي نعمل على تحقيقه في الالفية الثالثة هو المجتمع المزدهر اقتصاديا المتماسك اجتماعيا المتسامح المنفتح على العالم حضاريا والقادر على التكيف مع المستجدات ومواجهة التحديات. واذا كانت ارادتنا قد انعقدت على هذا التوجه فيتعين على كل الموءسسات المعنية تحقيق هذه الارادة.
ولاشك أن الامر يتعلق بمشروع طموح يندرج في المدى البعيد ويتطلب الجرأة القمينة بانجاز التغيير اللازم.
إن التغيير الذي ننشده يجب أن يجعل من الرفاه الاجتماعي الهدف الرئيسي للاختيارات الاستراتيجية لمغرب المستقبل. وفي هذا الأفق يحتل التشغيل وتشغيل الشباب خاصة مكان الصدارة باعتباره شرطا لضمان اكتمال شخصية الانسان المغربي على الصعيد الفردي والعائلي والمهني والاجتماعي. ولكي يتأتى هذا لابد من العمل على تقوية تقاليد التضامن والتأزر داخل المجتمع المغربي المجتمع الذي يوفق بين الفعالية الاقتصادية وضرورة التلاحم الاجتماعي. غير أن تحقيق هذه الروءية المستقبلية رهين بقدرة المجتمع المغربي على التحكم في نتائج الانفتاح على الخارج والاستفادة منه. ذلكم أن أي مجتمع مثل مجتمعنا يطمح الى الاندماج الايجابي في محيطه الخارجي مدعو لاستثمار عوامل الرقي الكامنة في التحولات التى يعرفها العالم في مجالات الثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتواصل. وانجاح اختيار كهذا رهين بتبني قيم التساح والانفتاح وهي القيم التى تضمن التوفيق المستمر بين الأصالة والمعاصرة ليتسنى للمغرب الحفاظ على هويته بتطوير طاقاته الابداعية. ولعل مايضفي على هذه الروءية طابع المصداقية كونها لم تنبثق عن تفكير مجرد ومنفصل عن الواقع بل هي نتائج لتشخيص ميداني رصين ولحوار وتشاور ديمقراطي بين أعضاء المجلس قوامه البرهان والاقناع فالاقتناع الذي يفضي الى الاجماع. انكم بطريقة عملكم هذه قد أقمتم الدليل على فضيلة الحوار الديمقراطي وما يتيحه من امكانات مهما تباعدت المصالح واختلفت المشارب والقناعات الفكرية. وليس بغريب ولا بعزيز على أبناء أمتنا أن يجمعوا حول ما يتعين القيام به خدمة لقضية الشباب الذين هم فلذات أكبادنا والموءتمنون على مستقبل بلادنا.
حضرات السيدات والسادة
اننا نقدر كل التقدير اجتهادات مجلسنا خلال السنوات العشر الأولى التى كانت بحق عشرية الشباب. فالأوراش المتوالية التى فتحت للتفكير والبحث والحوار مكنتنا ولله الحمد من التوفر على روءية دقيقة واضحة لواقعنا الاقتصادي والاجتماعي بامكاناته واكراهاته وبانعكاساته المتعددة على قضيتنا المركزية قضية الادماج الايجابي لشبابنا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد. اننا مقتنعون بأن معالجة بطالة الشباب في ظل الظرفية الوطنية والدولية الحالية والمستقبلية ليست ذات أبعاد اقتصادية فقط بل انها ذات أبعاد اجتماعية وثقافية كذلك تقتضي منا أن نأخذ بعين الاعتبار في اختياراتنا وانجازاتنا ضرورة الاستجابة الى حاجيات الاقتصاد والمجتمع والى تحولاتها.
حضرات السيدات والسادة
إننا نعير اهتماما خاصا لعلاقات الصداقة والتعاون التى أقامها مجلسنا منذ تأسيسه مع المجالس الاقتصادية والاجتماعية والمنظمات المشابهة في أوروبا والحوض المتوسطي وافريقيا وأمريكا اللاتينية. وهذه العلاقات بقدر ما تمكن من التعريف بتجربتنا الفتية في ميدان التنمية الاقتصادية ومعالجة بطالة الشباب على أساس الحوار والمشاركة بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين فانها تتيح لأطر مجلسنا وأعضائه الاطلاع على تجارب الأمم الأخرى والاستئناس بالملائم منها لخصوصيات بلدنا واقتصادنا وتراثنا الاجتماعي والثقافي.
وتوخيا منا لتحقيق هذا التواصل مع تلك التجارب والانفتاح على الملائم منها عملنا على استضافة القمة الثالثة للمجالس الاقتصادية والاجتماعية الأورو - متوسطية وسعدنا بكوننا كنا أول بلد من جنوب الحوض المتوسطي يحظى بتنظيم مثل هذا اللقاء وهو لقاء يحمل بالنسبة الينا تأكيد ثوابتنا الجغرافية والتاريخية والحضارية كصلة وصل بين الحضارات والشعوب وكطرف فاعل في بناء المجال الأورو - متوسطي المرتقب.
ولقد ترأسنا في نفس التوجه بمدينة الدار البيضاء الجلسة الافتتاحية لهذه القمة واطلعنا على النتائج التي تمخضت عنها وبغض النظر عن المواضيع الهامة التي عالجتها فاننا نعتبر أن من بين أهم عطاءاتها انعاش ءاليات التشاور الموءسساتي التي أصبحت تحتل في عصرنا مكانة مركزية في كل بناء ديمقراطي وجعل هذا التشاور موضوعا لعلاقات التعاون بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط هدفه المعالجة الجماعية للانعكاسات المرتقبة للعولمة على المصير المشترك لهذه الدول.
حضرات السيدات والسادة..
لا يخفى عليكم مدى العناية التي نوليها لموضوع الدورة الحالية للمجلس وهو موضوع '' العولمة والتنمية القروية وتشغيل الشباب''. ذلكم أن التنمية القروية تشكل أولوية وطنية أملتها تجربتنا التنموية الطويلة في المناطق القروية. لقد مكنت هذه التجربة بلدنا من تحقيق منجزات هامة في ميادين تعبئة الموارد المائية وتحديث النشاط الفلاحي وتحسين مستوى دخل فلاحينا وتغطية جزء لايستهان به من حاجياتنا الغذائية وتطوير صادراتنا من المنتوجات الفلاحية علاوة على مد مدننا بالمياه الضرورية غير أن هذا التطور لم يتم بالقدر الكافي ولا بالشكل الذي يتيح الاستفادة من ثمرات النمو لكافة مواطنينا في المناطق القروية.
فعالمنا القروي مازال يعاني نقصا في ميادين التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية ومن اتساع دائرة الفقر وانتشار الأمية. وهذا النقص قد يتفاقم بفعل التأثيرات الحالية والمتوقعة للعولمة ويصبح مصدر تهديد لاستقرار مجتمعنا وتماسكه وتقدمه اذا نحن لم نهيء أنفسنا ونتخذ الاحتياطات اللازمة لمعالجة تلك التأثيرات.
غير أنه يجب أن نكون في نفس الوقت واعين بأن للعولمة الى جانب اكراهاتها جوانب ايجابية يتعين علينا أن نستغلها لنجعل منها مصدر تقدم لاقتصادنا ومجتمعنا مع مراعاة ضرورة الحفاظ على جوهر ثوابتنا التاريخية والاجتماعية والثقافية.
لقد كانت هذه الاعتبارات حاضرة في التوجيهات التي أعطيناها لحكومتنا عند اعداد المخطط الخماسي الذي قررنا أن يجعل من التنمية القروية احدى أولويات سياستنا التنموية تنمية نريدها شاملة وقادرة على ادماج الساكنة القروية في المسار التنموي العام للبلاد.
ولسوف يتطلب منا هذا بذل الكثير من المجهودات لجعل القطاع الفلاحي يستجيب للحاجيات الغذائية المتزايدة للسكان ويتلاءم مع متطلبات الانفتاح وتوفير شروط تنويع مصادر الدخل لدى الساكنة القروية بواسطة انعاش الأنشطة غير الفلاحية التي يتعين أن تصبح من بين ركائز استراتيجيتنا للتنمية القروية.
الا أننا بقدر ما نولي اهتمامنا للجوانب الاقتصادية لتنمية مناطقنا القروية فاننا نضع تكوين الانسان القروي في صدارة انشغالاتنا فاستدراك العجز الذي يعانيه عالمنا القروي في شتى الميادين مرهون بمد مواطنينا في هذا الجزء من التراب الوطني بالمعارف والمهارات التي تجعلهم وخاصة الشباب والمرأة منهم قادرين على انجاز التغيير الذي تقتضيه التنمية القروية.
ويجب ألا يغيب عن تفكيرنا أن نأخذ بعين الاعتبار في برامجنا وتدخلاتنا وطرق تدبيرنا الطابع الحيوي الذي تكتسيه المحافظة على تراثنا الطبيعي فتوخي العقلنة والترشيد في استغلال موارده كفيل وحده بضمان استمرار التنمية المنشودة وصون مصالح الأجيال المقبلة.
واذا كانت التنمية القروية تقتضي تقوية دور الدولة والجماعات المحلية لفائدة العالم القروي فان على موءسساتنا المالية تحمل قسطها من المسوءولية وعلى المنظمات المهنية والموءسسات الاجتماعية الانخراط بالفعالية اللازمة في هذا المشروع الوطني الهام.
حضرات السيدات والسادة..
إن التنمية القروية بالمنظور الذي وضعنا معالمه برنامج طموح بعيد المدى يتطلب تحقيقه النفس الطويل وتضافر جهود وطاقات الجميع والتحلي بالصبر والثبات أمام المصاعب أو العثرات والتغيير الجوهري في العقليات والممارسات.
ولاشك أن هذا النمط من التنمية يجعل من الوظيفة الاستشارية ليست فقط أداة لترسيخ الممارسة الديمقراطية ولكن لتعبئة المجتمع بأكمله حول القضايا التي تطرحها التنمية ببلادنا عامة وتنمية العالم القروي على وجه الخصوص ولهذا فان من المصلحة الوطنية تعميق الاستشارة وتنويعها وتطوير مناهجها بشكل يعطيها أقصى ما يمكن من الفعالية ويجعل منها ممارسة اجتماعية طبيعية.
وفقكم الله الى تحقيق المزيد من الخدمات لشبابنا وفتح أبواب الأمل والعمل أمامه إنه على كل شيء قدير.
'' وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والموءمنون'' صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته''.