وجه جلالة الملك محمد السادس رسالة إلى المشاركين في الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام التي انطلقت صباح اليوم الثلاثاء بالرباط.
وفي ما يلي نص الرسالة التي تلاها مستشار جلالة الملك السيد محمد معتصم :
"معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي الاعتزاز، أن تنعقد الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام بالمغرب، أرض الحوار وملتقى الحضارات، وأن يصادف هذا الحدث الهام، ذكرى مرور أربعين سنة على قمة الرباط، التي انبثقت عنها منظمة المؤتمر الإسلامي.
ولنا اليقين في أن احتضان بلادنا لمؤتمركم، سيضفي على أشغالكم تلك الروح الإيجابية والصادقة، لمواصلة العمل الإسلامي المشترك، على كل المستويات، لاسيما وأن التحديات التي نواجهها، والإكراهات التي نعيشها، قد تضاعفت كما وكيفا، عما كان يعرفه عالمنا الإسلامي، قبل أربعة عقود من السنين.
وإن الجرح العميق الذي لم يندمل بعد، بفعل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وفتكه المفجع بالأبرياء، حتى من الأطفال والنساء، ليذكرنا بالعدوان الإجرامي على المسجد الأقصى، الذي كان من أبرز معالم رفض الأمة له، العمل على لم شملها، من خلال إحداث منظمة المؤتمر الإسلامي. وهو ما يجعلنا أمام تحد يراوح مكانه، إن لم يكن يدور في حلقة مأساوية، من الإثم والعدوان والعنف، وإهدار وتدمير فرص السلام في الشرق الأوسط، منذ أكثر من نصف قرن.
لذلك، ننوه بمبادرتكم إلى وضع القضية الفلسطينية، وقضية القدس الشريف، في مقدمة جدول أعمال هذا المؤتمر، وخاصة في هذا الظرف العصيب، الذي يجتازه هذا الشعب الشقيق المكلوم.
وفي هذا السياق، نجدد التزام المملكة المغربية بمواصلة الجهود، على كافة المستويات، والمحافل والمنتديات الجهوية والدولية، من أجل وضع حد نهائي للعدوان والاحتلال، وفك الحصار المضروب على شعبه الصامد، والعمل على إقرار حل سلمي عادل ودائم وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، عبر إقامة دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، على أساس مبادرة السلام العربية، وفي إطار مقررات الشرعية الدولية.
وبموازاة مع ما نبذله من مساع دبلوماسية، وعمل سياسي مباشر، فقد عملنا على تمكين الشعب الفلسطيني من كل أشكال الدعم والمساندة. وذلك بفتح جسر جوي لنقل المساعدات الإنسانية الملحة والطبية العاجلة، سواء من خلال الدعم المادي للدولة، أو عبر التبرعات التطوعية والتضامنية من لدن المغاربة قاطبة.
وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا لن ندخر جهدا للمحافظة على الوضع القانوني لهذه المدينة السليبة، والدفاع عن هويتها الروحية والحضارية، ورموزها الدينية المقدسة، والتصدي لكل الانتهاكات التي تمس بحرمة المسجد الأقصى وقدسيته.
وبنفس روح الالتزام والتضامن، ووفاء منا بهذه الأمانة، فإن وكالة بيت مال القدس الشريف تواصل، بإشراف شخصي من جلالتنا، إنجاز مشاريع ملموسة، سكنية، وصحية، وتعليمية، واجتماعية، لفائدة إخواننا المقدسيين، آملين أن تلقى هذه الوكالة المزيد من الدعم من لدن كافة الدول والهيئات.
معالي الأمين العام،
أصحاب المعالي والسعادة،
إننا نتوخى من استحضارنا لهذا السياق العام، الذي يخيم على أشغال مؤتمركم، إبراز جسامة المهام الملقاة على عاتقكم، باعتباركم في طليعة الفاعلين الأساسيين لتجسيد أهداف منظمة المؤتمر الإسلامي على الواجهة الإعلامية.
بما يقتضيه ذلك من صياغة خطاب إعلامي متجدد وموضوعي، واعتماد أساليب حديثة للتواصل، ووضع خطط فعالة لإسماع صوت العالم الإسلامي، وشرح مواقفه، ونصرة قضاياه العادلة، وتمكينه من الإسهام في تعزيز حوار الثقافات والحضارات، بما يخدم المثل والأهداف السامية للإنسانية جمعاء.
ولن يتأتى ذلك، إلا بالانفتاح على التطور التكنولوجي الإعلامي، والتفاعل مع العالم المتقدم، أخذا وعطاء، مع تحصين الذات من المؤثرات السلبية، وفضح المناورات، ومحاولات الاستلاب بكل أنواعه، والغزو الفكري المقنع بالشعارات، لاسيما وبعض وسائل الإعلام الخارجي، كثيرا ما تروج عن الإسلام والمسلمين صورا نمطية، وتؤجج التعصب والتطرف، وتقوض روح الحوار بين العالمين.
ولا يخفى عليكم ما يتحكم في عالمنا من تحولات عميقة، بفعل دخوله عصر المعرفة والاتصال، الذي يجعل من التواصل وتدفق المعلومات، آليات رئيسية في كل مناشط الحياة، ومختلف مشاريع التنمية.
ومن ثم، أصبحت المبادرة إلى وضع الأسس الكفيلة بتقليص الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة، والدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، أمرا ضروريا، قصد تمكين المواطنين من المعرفة، التي هي حجر الزاوية في تحقيق أي تنمية أو تقدم أو تعاون أو عمل مشترك، وكذا العمل على ولوج الشبكات غير المادية للمعرفة، قصد الانخراط في إعلام عالمي، يقوم على منطق الروابط والشبكات ذات الأسس المعرفية والتكنولوجية المتقدمة.
كما أن تحقيق هذه الأهداف السامية، يتطلب العمل بمهنية عالية، ورؤية واضحة، ووفق مشاريع وبرامج محكمة التخطيط، تمكن من تقديم صورة الإسلام والمسلمين الحقيقية، عقيدة وتراثا وحضارة، وتسمح بالتفاعل السريع مع مختلف التطورات والأزمات،وخاصة التصدي، بالحكمة وبالتي هي أحسن، وبالمهنية اللازمة، لكل من يسعى إلى احتكار الإسلام، من الداخل، وكل من يتطاول على تشويهه من الخارج.
وكما لا يخفى عليكم، فالإعلام سلاح العصر وسيفه. وكما تعلمون، فإن ديننا الإسلامي الحنيف، يحض على البلاغ المبين.
لذا، نحثكم على مضاعفة جهودكم الهادفة إلى تمكين وسائل الإعلام، في دول منظمة المؤتمر الإسلامي، من الارتقاء بمستوى أدائها، في مراعاة للتنوع والتعددية، والتحلي بالمسؤولية، واحترام للأخلاقيات، مع التوحد في الدفاع عن القيم والمقومات الروحية والحضارية للمجتمعات الإسلامية، ومصالحها العليا.
ذلك أن قوة وفعالية العمل الإسلامي المشترك، على الواجهة الإعلامية، تتأثر لا محالة بمدى نجاعة سياسات ووسائل الإعلام والاتصال في بلداننا الإسلامية، والنظر للإعلام كقطاع منتج في الاقتصاد الجديد للمعرفة والاتصال. وليس مجرد مادة استهلاكية مبتذلة.
ومن هذا المنظور، كان حرصنا على إحاطة قطاع الإعلام والاتصال ببلدنا، برعايتنا الموصولة. فباشرنا ورشا إصلاحيا طموحا، أتاح إعادة هيكلة القطب الإعلامي العمومي، بمختلف روافده، وتأهيل موارده البشرية، وتنويع عروضه، وتحسين مضامينه، وتحرير الفضاء السمعي البصري الوطني، وفتحه أمام المبادرة الخاصة. فضلا عن إحداث هيئة عليا تتولى مهام ضبط الاتصال السمعي البصري، على أساس احترام الحرية والنظام العام، والتعددية، وضمان تكافؤ الفرص.
كما أصدرنا توجيهاتنا السامية، للعمل على توفير الشروط الكفيلة بإقامة مؤسسات إعلامية احترافية حرة ومسؤولة، وانبثاق صناعة إعلامية تنموية، عبر إعادة النظر في منظومة الدعم العمومي للصحافة المكتوبة، وتطوير منظومتها القانونية، وتمكينها من هيأة تسهر على تنظيم المهنة وتأطيرها قانونيا وأخلاقيا.
مذهبنا في ذلك، أن الإعلام شريك لا مندوحة عنه في ترسيخ المواطنة، متى عمل في نطاق ديمقراطي، أساسه سيادة القانون، وعماده المهنية، وروحه الأخلاقيات، وجوهره التنوير الموضوعي للرأي العام.
معالي الأمين العام،
أصحاب المعالي والسعادة،
لا يسعنا إلا أن نستحضر، في هذا المقام، بكامل التقدير والإجلال، الإسهامات الجليلة لمؤسسي منظمة المؤتمر الإسلامي الأماهد، ورواد العمل الإسلامي المشترك، وفي طليعتهم والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، والملك فيصل بن عبد العزيز، خلد الله في الصالحات ذكراهما.
فلنجعل من الوفاء لقمة الرباط التأسيسية الرائدة، خير محفز على تعزيز التضامن الإسلامي، والدفاع عن مقدسات أمتنا، ومناصرة قضاياها العادلة، وتحصين السيادة والوحدة الترابية لدولها، والتصدي لنزوعات البلقنة والتجزئة. لاسيما في هذا الظرف الدولي الدقيق، الذي يضاعف من إكراهاته تراكم الإحباطات، وتوالي النكسات، بسبب تفاقم الخلافات المفتعلة، وهدر طاقات الأمة بسببها.
وفي الختام، نعرب عن تقديرنا لجهودكم، التي ما فتئت تتضاعف، قصد التفعيل الأمثل لمضامين برنامج العمل العشري، وما يؤطره من توجه إصلاحي شامل، وفاء لروح قمة الرباط الرائدة، متطلعين إلى أن تسفر هذه الدورة، عن اتخاذ قرارات وتوصيات في مستوى هذه اللحظة التاريخية الدقيقة.
وإذ نرحب بكم، ضيوفا كراما على أرض بلدكم الثاني المغرب، فإننا نسأل الله تعالى أن يكلل أشغالكم بكامل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."