" الحمد لله،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
أصحاب الفضيلة شيوخ الطريقة التيجانية ومقدميها ومريديها،
حضرات السادة الأكارم،
يطيب لنا أن نتوجه إليكم، بهذه الرسالة السامية، بمناسبة انعقاد اجتماعكم السنوي، لنعبر لكم عن صادق تحياتنا وسابغ رضانا، ورعايتنا لكافة أعضاء أسرتكم الروحية الجليلة، حريصين على اتباع النهج الذي سنه والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، عندما وافق، منذ زهاء عشرين عاما خلت، على انعقاد هذه الأيام تحت رعايته السامية، فصارت سنة متبعة، ومناسبة متجددة، تجتمعون فيها على البر والتقوى، في ظل العلم والإيمان والإخاء في الله، واستحضار مناقب شيوخ طريقتكم الصوفية، وأعمالهم الخيرة في بلدان العالم عامة، وفي مختلف الأقطار الإفريقية بخاصة.
فالطريقة التيجانية قامت ولا تزال بالتربية الروحية على محبة الله ورسوله، وعلى الاقتداء بالسنة المحمدية الشريفة، وهداية الناس إلى حقيقة كلمة التوحيد في الديار القاصية والدانية، جاعلة من التجرد للطاعات والاستغفار والمواظبة على مواصلة الأذكار منهجها القويم : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب". وهذه مدارسها ومعاهدها وزواياها ومساجدها المنتشرة في كل بقاع بلدكم الشقيق تشهد، بكل جلاء، على هذه المناقب والأعمال الخيرة.
لقد أصبحت الطريقة التيجانية، بفضل اجتهادها ولزومها للسنة والجماعة، إحدى مدارس التصوف الإسلامي السني الكبرى، حيث تخرج منها العلماء الذاكرون، والمصلحون المخلصون، لنشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، مع الحرص على سماحة الإسلام، وتخليق أتباعها بالأخلاق المقتبسة من سيرة الرسول الأعظم، الذي شهد له الحق بالكمال الخلقي، في قوله سبحانه : " وإنك لعلى خلق عظيم". فكانت رسالة الصوفي في هذه المدرسة الروحية الكبرى، رسالة نبيلة لإصلاح القلوب وتصفية النفوس، مما ران عليها من ظلام الشهوات، وتمتين أواصر التضامن الإسلامي والتعاون على البر والتقوى، لتظل كلمة الله هي العليا.
فما أحوج المسلمين، اليوم، إلى التمسك بهذه الأخلاق، القائمة على التقوى ومراقبة النفس، وتجسيد الاستقامة في الأقوال والأفعال، ببذل المعروف وكف الأذى، وإشاعة السلام لتحقيق مقام الإحسان، الذي هو جوهر الإسلام .
حضرات السيدات والسادة العلماء الأفاضل، لقد تأثرنا بما حرصتم عليه من تجسيد ولائكم للعرش العلوي المجيد، ولا سيما رغبتكم في التعلق بالرعاية السامية لجلالتنا لدوائركم، تشبثا منكم بالآصرة الروحية، التي ظلت تشد الطريقة التيجانية على مر العصور إلى الملوك العلويين الأماجد، منذ عهد السلطان المولى سليمان، طيب الله ثراه، إلى اليوم، واعترافا بما قدمه هؤلاء السلاطين الميامين من دعم للطريقة التيجانية، ورعاية لزواياها وأتباعها.
فقد كان المولى سليمان، قدس الله روحه، ذا عناية فائقة بها وبمؤسسها سيدي أحمد التيجاني، رضي الله عنه. ثم سار على هذا النهج أجدادنا المنعمون، بإصدار ظهائر التوقير والعناية بمشايخ هذه الطريقة، إلى عهد جدنا جلالة الملك محمد الخامس، قدس الله سره. ولا أدل على هذه الآصرة القوية من احتضان المغرب للزاويـة الأم بمدينة فاس، حيث ضريح الوليِ الرباني أبي العباس التيجاني، وزاوية الوليِ الصالح سيدي العربي بن السايح بمدينة الرباط.
أما والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، خلد الله في الصالحات ذكره، فقد أنشأ ندوة الطرق الصوفية، وكانت دورة الطريقة التيجانية بفاس سنة 1985، حدثا تاريخيا عظيما، جسد عنـايـة العرش العلـوي بهذه الطريقة الصوفية الجليلة. وهو ما جعل أتباعها في مختلف الأقطار أوفياء مخلصين للعرش العلوي المنيف، باعتبار المتربع عليه أميرا للمؤمنين، وراعيا للملة والدين، وحفظ السنة النبوية المطهرة، من تحريف الضالين والمتطرفين.
وما فتئ المغرب والسينغال يعملان في ظل قيادتهما، في توافق وانسجام، على حفظ تراثهما الديني والروحي المشترك، مع الحرص على وحدة المذهب في الشريعة والطريقة، وتجسيد التضامن الإسلامي على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق، جاء حرصنا الموصول على تمتين وشائج الإخاء بيننا وبين أخينا العزيز، فخامة الرئيس عبد الله واد، وعلى تفعيل آليات التعاون بين بلدينا الشقيقين، وشعبينا الأخوين فيما يعود عليهما بالتقدم والازدهار.
وفقكم الله ورعاكم، وسدد على طريق العمل الصالح خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".