"الحمد الله .. والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
حضرات السيدات والسادة..
يطيب لنا أن نتوجه إليكم معشر المشاركين في الندوة الوطنية حول موضوع..''دعم الأخلاقيات في المرفق العام'' وهو الموضوع الذي أتى في إبانه نظرا لمكانة هذا المرفق والتصاقه بمصالح المواطنين ونظرا كذلكم لما أصبح يتعرض له من انتقادات وما يقتضيه من ترشيد وإصلاحات.
ومن نافلة القول التأكيد على أن رعايته تأتي في طليعة اهتماماتنا وما طوقنا الله به من رعاية مصالح شعبنا رعاية تضمن حقوق الفرد والجماعة وتكفل للناس عيشة راضية كريمة. ولايتأتى ذلك إلا بسمو الأخلاق واستقامتها وتقويم ما قد يطرأ من انحراف عليها. فالأخلاق أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها.
ومن هذا المنظور فان أول واجبات المرفق العام أن يلتزم بالأخلاق الحميدة وأن يخدم المواطنين بالإخلاص الجدير بالشأن العام والمصلحة العليا على النحو الذي يقتضيه الاختيار الديمقراطي في دولة الحق والقانون.من أجل ذلك كانت خدمة المواطنين عملا مجتمعيا متفتحا يوفر لكل الأفراد والفئات فرصة المساهمة في التنمية وحق الانتفاع بها ولقد عقدنا العزم على توجيه إدارتنا وجهة جديدة واصلاحها وتشجيع العاملين المخلصين الحريصين على القيام برسالتها المقدسة. تلكم الرسالة التي جعلت من أعمال الإدارة مصلحة وثيقة الارتباط بمقاصد أولاها الإسلام الذي هو دين التكافل والتعاون والتضامن أهمية كبرى تعتمد على أسمى روح في المعاملات ألا وهي روح الخدمة التي هدفها جلب المصالح ودرأ المفاسد وخدمة الناس على أساس أخلاقي سليم. وقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ''سيد القوم خادمهم'' جاعلا من الخدمة أرقى درجة في الحياة الاجتماعية ومبررا أولا لسلطة كل ذي سلطان ومشروعية كل نظام..
"هذا وتتطلب الخدمة الحسنة امتلاك روح المسؤولية امتلاكا يترتب عنه احترام حقوق المواطن وتلافي تضييع المصلحة بعدم الاهتمام أو بالتسويف والتأجيل والإرجاء.
وفي هذا المضمار فإننا نهيب بكم أن تولوا أهمية كبرى لتدبير الوقت أي للعامل الزمني الذي أصبح يكتسي في عصرنا أهمية عظمى ويستلزم المبادرة الفورية إلى حل قضايا الناس بلا إبطاء ولاتفريط بعيدا عن التعقيد البيروقراطي قريبا من النهج الهادف مباشرة إلى النفع ومد يد المعونة. وفي ذلك أيضا استجابة لما دعا إليه ديننا الحنيف من خلال تنديده بمن يقف من الآخر موقف المعرض عنه الرافض لمساعدته.
ولا تكتمل روح الخدمة والإحساس بالمسؤولية إلا بموصول الاجتهاد لتحسين فعالية التدبير ومراقبة مرد وديته وتوجهه نحو حل المشاكل وتجاوز العقبات. إن هدف الإجراءات العمومية التسهيل والتيسير وليس التعقيد والتعسير وهي منهاج لترسيخ روح الاستقامة والوضوح والشفافية والتعجيل في إيصال النفع للناس وتحقيق العقلنة التي تضمن الإيجابية فيما يتخذ من قرارات وتمكن من تتبع الأمور إلى نهايتها وتنظيم العمل وحسن توزيعه وتحديد المسؤوليات والتحفيز على التواصل في رزانة ونظام تثريه التجارب القديمة والممارسات الجديدة الناجحة..
"لذلك أمرنا بتبسيط الإجراءات وتحيين النصوص الإدارية وتحديث وسائل التدبير والعمل على التوفيق المستمر بين المقتضيات الإدارية وروح العصر التي طبعت اليوم كل العلاقات البشرية. وذلكم ما أكدنا عليه في خطابنا بالدار البيضاء يوم 2 رجب 1420 الموافق ل12 أكتوبر 1999 ملحين على ضرورة إصلاح أساليب التدبير وترشيده وتحسين استغلال المعدات والمؤهلات والخبرات والكفاءات ورفع كل الحواجز عن طريق التجاوب الضروري بين المستثمرين و المصالح الإدارية المختصة. ولابد لبلوغ هذا المرمى الأساسي من تفعيل قانون الإقرار بالممتلكات حتى يستجيب للآمال المنوطة به لوقاية الصرح الإداري من كل ما يخل بالسلوك المرغوب فيه ومن تعبئة الآليات القانونية والتربوية والتواصلية المتاحة للحد من البيروقراطية ومن غلو السلطات التقديرية للإدارة واستعمال الوسائل الكفيلة للاعتناء بتكوين الموظف تكوينا مستمرا حتى تتسنى رقابة سلوكه ومجازاته إذا أحسن ومعاقبته إذا أساء.
وإن تصاعد الاهتمام الدولي خلال السنوات الأخيرة بمشكلة الفساد الإداري ليضاعف من اجتهادنا لتحقيق مانحن بصدده من ربط المفهوم الجديد للسلطة بمفهوم الخدمة العامة وصيانة الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين. وفي ذلكم تلبية لما يحض عليه ديننا و أخلاقنا وتنص عليه مواثيق الأمم المتحدة من ضرورة العمل على تلافي مخاطر الرشوة واللامبالاة والإهمال عمدا أو جهلا أو ما إليهما مما يحول دون توفير أسباب النماء والتقدم.
حضرات السيدات والسادة
كنا وما نزال نرى في قضية تخليق الحياة العامة وفي مقدمتها الإدارة موضوعا حيويا يحظى باهتمامنا ويستأثر بتفكيرنا. لذلكم فإننا ننوه بهذه المبادرة الطيبة ونشكر جميع من ساهموا فيها بالفكر والعمل ونهيب بهم أن يحرصوا على تحقيق ما تمخضت عنه من نتائج حسنة واقتراحات صائبة تساهم في تخليق المرفق العام والارتفاع به إلى المستوى المنشود إن شاء الله.
وفقكم الله وسدد خطاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وحرر بالقصر الملكي بالرباط في يوم الخميس 18 رجب عام 1420ه الموافق ل28 أكتوبر سنة 1999 م.
محمد السادس
ملك المغرب"